الدنيا زى البطيخة
بعد سهرة فى العمل الشاق فى هذه الليلة الليلاء من شهر أغسطس ، الجو
حار جدا والساعة تقترب من الواحدة صباحا ، كنا نحن زملاء السهرة قد
قارب عملنا على الإنتهاء وكل واحد فينا قد أحضر عشائه معه ، القليل منا
الذى لم يتزوج يحضر يا ولداه خالى الوفاض على أمل أن يجد معنا ما يسد
به رمقه أو يشترى عشائه من سوق التوفيقية الشهير والقريب من العمل والذى
تجد فيه كل ما يتمناه الجائع ويحلم به ، معلوم أن سوق التوفيقية هذا من أشهر
أسواق العاصمة حيث الخضار والفاكهة درجة أولى ، لم أرى فى عمرى خضارا
وفاكهة بهذا المستوى الا فى المنطقة التى أسكن بها الآن والذى يقول لنا الخضرى
دائما ويتباهى أن والده كان فكهانى الملك .
إتفق الزملاء فى تلك الليلة على أن يكون الحلو بعد العشاء بطيخا ، جمعت
من كل واحد قرشان ، كان كيلو البطيخ الشليان وقتها بثلاثة قروش
لأنه أحسن انواع البطيخ ودائما ما يتم بيعه للفنادق الكبرى فقط .
كنت فى هذا الوقت شابا يافعا من مشاهير الكرة فى الهيئة وعضوا
بارزا فى منظمة الشباب الإشتراكى ، فهل لهذا الشاب أن يحمل
بطيخة ويدخل بها الهيئة ويراه الأمن الذى يضرب له تعظيم سلام
فى دخوله وخروجه ؟!!
تطوع زميلنا محمود أن يحضر معى ، نزلنا الى السوق وإخترت
أنا البطيخة ووزنها الرجل ودفعت يومها سبعة وعشرون قرشا لبطيخة
وزنها تسعة كيلو , حملها محمود على كتفه تارة وبين أحضانه تارة
أ خرى ، ومشينا وصعدنا بالمصعد للدور الرابع ، كان من الضرورى
أن نشقها ونضعها فى الشباك البحرى للمكتب المطل على شارع الجلاء
فهواؤه كفيل بأن يكون بديلا للثلاجة .
رحنا نأكل ورائحة البطيخة تأتينا من بعيد يالها من رائحة ، نفاذة ولماذا
لا فهى حمار وحلاوة حتى أن الزملاء فى المكاتب المجاورة أتوا على
رائحتها . إنتهينا من الأكل وطلبت من زميلنا محمود أن يحضر البطيخة
ويضعها على الترابيزة الموجودة وسط المكتب ليتم توزيعها على المشاركين ، وكانت
المفاجأة !! البطيخة رغم حمارها لكنها على ما يبدو تم حقنها بالماء لتزن وصارت معفنة .
هل أعود بها للبائع وأعاتبه على فعلته ومن يضمن لى أن أعود سالما بدون طعنة نافذة
من سكينه ؟ ومن يتطوع ويحمل أشلاء البطيخة غير زميلنا محمود الذى تطوع سابقا ؟ لا أحد !! هل يعطينا الرجل بدلا منها لو رحنا له معاتبين أم نكون وليمة لزملائه التجار ؟!!
وكان إجماع الزملاء أن حياتنا أهم من البطيخة .
ضاع حلمنا هذه الليلة فى شقة بطيخ لذيذة وهكذا هى الحياة مثل البطيخة أحيانا تكون
قرعة بالضبط مثل الزواج ومثل حاجات كثير ، وكانت آخر بطيخة نشتريها من التوفيقية
بل آخر مرة نفكر فى التحلية ببطيخ !!