الإعتراف سيد الأدلة
كنت أظن أننى أستطيع الإعتماد على النفس بعد أن جربت الغربة فى شبابى وسلكت دروب
القاهرة وأحيائها الكثيرة ، فلقد طفت بها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، وكنت أظن أن حياة
الجندية علمتنى الكثير ، وكنت أتفاخر دائما أمام أقرانى بأننى ضليع فى عمل الأرز المفلفل
والسلطة الخضراء والبسلة بالجزر بشربة اللحم أيام كان هناك طعما للحمة ، فهل تحس لها
أنت طعما ؟
وكنت أظن أننى بعد طول هذه السنين من العمر قد إكتسبت خبرة فى شئون الطبخ بحكم
الفرجة أحيانا عندما تطلب منى شريكة الحياة أن أجالسها فى المطبخ لدواعى التسلية والسؤال
عن حصاد اليوم أوالخروج والعودة من مشوار ؟ كل هذه الخبرة وحصاد السنين أراه قد تبخر
وأصبح فى خبر كان !
والحكاية أن زوجتى العزيزة أصابها فجأة وبدون مقدمات نوبة برد أقعدتها فى الفراش ، تذكرت
ساعتها زملاء العمل الذين كانوا يرسلون برقيات للإدارة .. مريض وملازم الفراش وهم يلعبون
الكرة !! لكن زوجتى لا تلازم الفراش إلا فى الشديد القوى . مالعمل ؟ كنت زمان عندما يحدث
ذلك أرجع بذاكرتى وأروح أتفنن فى الطبيخ لأثبت لها أن وراها رجالة !! لكن مالعمل الآن وقد
كنت مشغولا ومطحونا فى عملى وليس لدى وقت للممارسة أو المساعدة ؟!!
شمرت عن ساعدى وذهبت للمطبخ أحاول إن أعود بذاكرتى وأحاول أن أتعرف على ما فى
المطبخ الذى !! المشكلة أنا لا أعرف مكان أى شيئ فى المطبخ فالرجل دائما وحتى يت هرب
من المساعدة يقول لزوجته المطبخ بتاع الست وهى ملكته المتوجة ، ومن باب التشجيع أيضا
وعندما يتذوق أكلها .. يا سلام .. أهم حاجة النفس .. طعم أكلك يجنن !! رحت أستحضر
الماضى والعلاقة القديمة كعازب عاش فى القاهرة وحدانى يغسل ويطبخ وينظف الشقة أيام
لم تكن هناك إمكانيات بالمرة ، أعددت العدة وغسلت الأرز ورحت أسوى الشربة للعيانة
الراقدة فى السرير ، وكما يحدث فى المستشفيات وضعت كل شيئ على صينية نحاس أصفر
خاصة للفطور من جهازها وهى عروس كانت هى الذكرى الوحيدة الذى حرصت أن آخذها
معى بعد وفاة أمى ، وضعتها أمام زوجتى على السرير ومازحتها قائلا .. شوفى أكل إيدى
وحياة عنيه !! إبتسمت بصعوبة وراحت تتذوق الشربة وتضحك ، لقد وضعت السكر بدلا
من الملح ثم راحت تتذوق الأرز الذى لم يكن اكثر حظا من الشربة ، عموما أنا مش حاسة
بأى فرق فالتذوق عندى مشكلة الآن .. قالتها المدام من باب المجامله .
كل يوم كنت أجرب وأحاول أن أثبت وجودى لكن الحوادث والخسائر صارت كثيرة ، أطباق
وكبايات صارت فى خبر كان مصيرها صندوق القمامة ، وصار هناك عجزا ملموسا فى كل
شيئ . ومن هنا أعترف أنا الموقع أدناه أننى أدعو لزوجتى بدوام الصحة
والعافية وأدعو لها ليلا ونهارا فى صلواتى أن تغادر السرير حتى لا تزيد الخسائر
من ناحية وحتى أستريح من أعمال الطبخ أو قل العك المطبخى من ناحية اخرى .
كما أعترف أنا العبد الفقير الى الله أننا من غير الستات ولا حاجه ، وبيت
من غير ست زى الجنه من غير ناس ما تنداس . أكيد الستات هيتبسطوا منى جدا على
هذا الإعتراف ولماذا لا .. وهن أمهاتنا وإخواتنا وبناتنا وهن سرنا وشركاء حياتنا
والحضن الذى يضمنا وقت الشدة والكلمة الحلوة واللمسة الجميلة والسند فى الملمات
وهن فى النهاية الأم البديلة والحبيبة ورفيقات الطريق .