محيى الدين أبوالنور
أكتب لكم عن صديق قبل أن يكون قريب ، فنحن نختار الأصدقاء ولا نختار القريب الذى هو مفروض علينا ، فالصديق
دائما قبل الطريق ، ونحن لا نختار الإخوة والأخوات فهم فقط ولدوا من رحم أم واحدة ليس إلا ! لكننا نختار الصديق
ونجربه ونمتحنه ثم نختاره ليشاركنا رحلة الحياة والمعاناة والبوح لأدق الأسرار ، ومحى الدين ابوالنور إبن خالى وفى نفس
الوقت إبن عمى ، ولقد ولدنا فى حارة واحدة كلها دوايده والتحقنا معا فى كتاب الشيخ عبد الحميد البنا وكنا فى المدرسة الإلزامية
الوحيدة ببلدنا فى ذلك الوقت معا ثم رحلنا لمنية النصر الإبتدائية التى تحولت للنظام الإعدادى .
كنا معا ع الحلوة والمرة كم لعبنا كرة شراب فى حارة الدوايدة التى كانت ملعبنا المختار وكما كانت لنا مباريات مع الحارات
المجاورة كحارة الجنايدة والنعانعة والصوابر وخلافة ، حيث كانت شروط اللعب حفاة القدمين حتى لايصاب لاعب لكن مش مهم
إصابتنا نحن فلقد صرنا يوما كمشوهى الحروب من كثرة ما أصاب أرجلنا من تشوهات ، قطعا لها ذكرى لن ننساها .
قد تكون ذكرياتى معه كثيرة أكثر من غيره من شلة الزملاء والأصدقاء فلقد كنا نذاكر معا ولا أعتقد أننا كنا نذاكر كما يجب
فلقد كانت قعدة ونس فى هذه الحجرة التى فوق سطح بيت محمد جاد الحداد قبل أن يشمله التطوير وكنا نصعد بهذا السلم الخشبى
لنجلس حول لمبة الجاز نمرة عشرة وكل واحد كان بيعمًرها يوم ،
زاملنى محيى فى الفرق الرياضية بمنية النصر الإعداية فكان لاعبا لكرة السلة وأحيانا ألعاب قوى و جمباز ، ولقد ناله مانالنى
من تعنيف الأستاذ بهاء مدرس التربية الرياضية فى التدريب وكم جرى وراءنا بعصاه الغليظة ، قد يكون معى أقل خشونة فلقد
كنت أنقل له المحاضرات الخاصة بدراسته العليا لحسن خطى ، لكنه أيضا كان فريسة لمدرس الإنجليزى إدوار الذى كان يكره
حصته ويتمنى أن يذهب للمدرسة يوما فيسمع خبر رحيله عن الدنيا من شدة غلظته فى التعامل معه .
لعب معى محيى فى نادى النصر حيث كنت المشرف الرياضى وتفرقت بنا السبل فلقد التحقت بالمنزلة الثانوية أما هو فإلتحق بالتجارة
الثانوية بالمنصورة وكنت أزوره هناك عندما تكون هناك مباريات بين المنزلة والمنصورة حيث يأتى كل شباب البلد عماد الدين خضر
وعلى ديبو ومحمد عبد الحليم وعبدالله الخراشى وغيرهم ليتفرجوا ثم أبيت معهم لنتفسح على نيل المنصورة الجميل ولا مانع من ركوب
القوارب فى اعمل محى بعد حصوله على الدبلوم فى استصلاح الأراضى فى بحر البقر وصان الحجر وكان يأتينى للتدريب بوزارة
الزراعة وكم سهرنا ومشينا وخضنا فى الذكريات القديمة
كان محيى من هواة تربية الحمام وكان لديه برج حمام هو الأكبر فى البلد ، وكنت أسأل نفسى لماذا لا يكون لى مثله ؟ وفى يوم من
الأيام إشتريت زوج من الحمام ذكرا وأنثى وأوكلت مهمة تربيتهما لأمى وعشت على أمل أن يتكاثر الحمام وبصبح لى برجا ممائلا
لبرجه ، وذات يوم سألت أمى فين الحمام ؟ فقالت بطيبتها المعهودة واحده طفشت وراحت لحمام محيى فأعطيته الثانية وأسقط فى
يدى .. يعنى أنا أشترى وتروحى تديهم لإبن أخوك .
لما كنت لاعبا فى فريق كرة القدم بالبلد وكنت كلما أمشى فى الشوارع كان الجمهور يحيينى وبالطبع كنت أقف معهم أو أوزع السلامات
وأنا ماشى وكان ذلك يغضب محيى جدا ، ولقد تغير ذلك بعد سفرى للقاهرة وأصبح محيى مسئولا فى الحزب الوطنى وأمينا له وكنت كلما
أزور البلد وأمشى معه يوزٍع السلامات على الناس ويقف معهم ويحاورهم وكنت أقف كخيال المآته بجانبه فلا أحد عاد يعرفنى وكنت أقول له
شايف الزمن يا عمنا كله سلف ودين هل تستطيع تجاهل جمهورك ؟
إنتقل محيى لإدارة منية النصر التعليمية وأصبح مسئولا كبيرا بها الى أن خرج على المعاش ، لكننا نلتقى فى حديث الذكريات القديمة وأيام
الأستاذ بهاء ورحلتنا لملاقاة فريق طناح وسفرنا ثلاث فرق والمشرف فى سبارة فولكس فاجن وكان من نصيبنا الجلوس مقرفصين فى شنطة
السيارة وكانت السندوتشات الخاصة بالفرق بحوزة وأمانة زميلنا محمد صالح الحديدى الذى كان لاعبا معنا فى الكرة الطائرة وكان قوى البنيان
ولما نزلنا وسأله الأستاذ بهاء عنها فأكتشف أنها نزل عليها التخفيض فلقد إلتهم محمد وحده نصفها ، نتذكر يوم حل علينا فى القاهرة وسهرنا على
أكلة قصب وكنت أختار له الأحسن وأختار لمن يشاركنا الزعازيع فلقد كنت أرى من خلال زجاج الغرفة ماهو طيب وماهو سيئ ،ولما عرف الذى
كان يشاركنا القسمة غضب وأربد وأزبد ولم يأكل .
أذكره بأيام كنت أقف على المصطبة فى أول الحارة أراقب وصول القطار عند المكباتى حتى أصيح عليه هو وعماد الدين خضر ومحمد جاد فلقد
نومهم تقيل شويتين وكانت أمى توقظنى مع صلاة الفجر ، وأذكره بأيام الأستاذ محمود الحنبلى ناظر المدرسة الذى كان يضع طربوشه فى البلكونه
وكنا نخاف حتى من طربوشه ، أذكره برحلات العودة من المدرسة مشاة فى عز المطر وأيام السكن ونحن عيال فى منية النصر وأكلنا للطبيخ المعجٍن
وكله حتى لا يعبطنا عم جمعة أو الناظر الحنبلى بسبب التأخير ، نتذكر معا مدرسينا الأستاذ مصطفى أحمد رزق والأستاذ كاظم والأستاذ ادوارد
والأستاذ رمزى مدرس الإنجليزى ، أذكره بزملاء الدراسة من كل البلاد المجاورة ورفاق رحلة العذاب الدراسية ، أذكره بالمعارك الشبه يومية فى
القطار بسبب معاكسة بعض شباب ميت عاصم لزميلتنا وبنت بلدنا . يااااه ذكريات أستطيع أن أكتب عنها الكثير ولكن ما ذنبكم ؟!! تحياتى لصديق
ورفيق مشوار الطفولة والشباب وخريف العمر .